تكريم جوزيبي تورناتوري

جوزيبي تورناتوري: (كاتب سيناريو ومخرج إيطالي عالمي ولد يوم 27/5/1956 في باغيريا قرب مدينة باليرمو - إيطاليا ويقيم الآن في مدينة روما)   

             
ولكن .. شيئا ما سيبقى !

                                                                "إلى جوزيبى تورناتورى"

دائما، وابداً

هناك حكايات وُجِدَت لتُروى

حكايات، كعقد مضفور فى الذاكرة،

يلمع فى غبشة فجر كلؤلؤ

كبكرة خيط من التريكو انفرطت من حِجْرِ أُم عجوز

تنتظر بصبرِ، لاينفذ، عودة الأبن الغائب فى المدينة، وقد طال الإنتظار

لزمن طويل،

ظلتْ تغزل صوفها تحسبا للقاء،

ربما يحدث أو لايحدث،

تحل بالليل ماتغزله بالنهار،

 كى ينبت الأمل كل يوم بين احجار البيت.

الصغير كبر

" توتو"، 

أصبح "سلفاتوري"،

وقد خَضَبَ البياض مَفْرِقه

ثلاثون عاماً من الشتات

ومن جديد،

عاد، من منفى الى المنفى،

وله من السنين خمسة وخمسون،

 من اللهفة،

وقليلٌ من صور المرح العاطفى

كى يبحث عن قصة حب منسيّة،

تركها ذات يوم، نهبا لظلمة الأدراج المعفرة،

بالذكريات، بالغبار

وحيداَ،

يعبر جادات "جيناكالدو" فى حر ظهيرة مُترَّب بالألم،

والرجاء

مع السلامة ياتوتو

هل أذهب أمْ أبقى؟

بعد كل تلكَ السنين،

بدت الأم فى عينيّ سلفاتوري، كطفلة، صغيرة القدِ،

هشة القلبِ.

إنّ الزمن يذيب الجسد،

والشهوة،

كصائغ ماهر

لكنه، يٌصلِّبَ أمامنا الذكريات

كأشجار تموت واقفة

فى كبرياء

لقد عاد "توتو" من جديد،

كى يبحث عن ظلاله،

التى اختبأت خفيّة من الزمن،

فى لعبتها البريئة

بين جدران "سينما باراديزو"

          بعد قليل

          سيتلاشى كل شيئ بخدعة بصرية،

          وراء غيمة من دخان أسود،

         فى اختفاء تدريجى

          كنهاية مشهد سينمائى مهيب

          ببطء ستختفى

          الصور، الأصوات، الضحكات، الدموع، الكلمات

كى يٌشيَّد العدم من الفراغ جدارا معلقا فى الهواء،

يطل على بيوت الموتى

فى البدء كانت الظلمة، والفوضى

فخلق الله النور والشاشة

فعرف الإنسان الحب والخطيئة

ثم جاء النسيان

قال "الفريدو" الأعمى للشاب المبصر:

لاتلتفت الى الوراء

إذهب بعيدا ولاتعد

فهذه ارض ملعونة

بالحكايات،

وقصص الحب المحبطة

فالحياة ليست كما تراها فى السينما،

الحياة يابنى اكثر قسوة من الأفلام

اذهب، ولاتنظرللوراء

فلم تعد أشياؤك موجودة هنا

لقد بٌعثرت على الطرقات

لكنه قبل موته أوصى بتركته للعائد

داخل صندوق مغلق

شريط سينمائي من القبلات المسروقة

وصورقديمة متشحة باللون الرمادى

هى  كل ماتبقى لنا من أزمنة فرت هاربة،

لتسقط فى خطيئة النسيان

ربما، كى نتذكر الحكمة الخالدة:

"إن النبيذ يمكن أيضا أن يٌصنع من العنب"

هكذا قال "مارشيللو" وهو يومئ بوجهه لنا

وعيناه دامعتان

ببلل الحنين

ضوءٌ بعيد يشعٌّ من وراء ظهره،

وهو يمضى ممزقا بين البدايات والنهايات

ضائعا بين محطات قطارات الزمن المفقود

بين المدن، والبيوت، والأحلام، والمصائر

كي يهدهد قلبه المتعب،

على انغام موسيقى انيو موريكونى

مرددا بحسرة:

"Stanno Tutti  Bene"

" كلهم بخير"

" كلهم بخير"

إنها قصّة قديمة ياجوزيبى، لكنها حزينة

حزن الفتاة اليتيمة فى صانع النجوم

كان أسمها Piata!

كان أسمها الشَفَقة!

لذا، جلست وحيدة،

مٌتوجةً،

فوق سحابة من تراب

وكأبْنة للسيدة العذراء،

كانت تحلم بالنور

وكنصف قديسة للفقراء،

كانت تحلم بصور ممثلات هوليوود

"بروفيل أيمن"

"بروفيل أيسر"

"مواجهة مع الكاميرا"

"تَحدثى الى العدسة"

الحزن!

كلبُ، أعرج، جائع،

يعوى فى الطرقات الخاوية،

تحت مطر صِقلّى دافئ

صمتت لحظة، وقالت:

"هل أترنم أيضا بالموسيقى"

ثم صرختْ:

"لاتتركنى وحدى فى هذا العالم"

قال: "سأٌحٌبِكِ دائما"

آهِ من الحب والجنون

الجنون والحسرة

الحسرة والحنين  

الحنين والرغبة   

ضحكات لخطواتِ ماجنة،

أفلتتها الأحلام وهى تمشى بقدميها العاريتين على أَرواحنا

ثم صمت

ذهول ثمل فى انتظار اللاشيئ

غيابُ

صوتُ خافت لموسيقى تشقَ الليل

وحده،

فوق الدرجات يعزف مرثيته لعازف البيانو،

على آلة الترومبيت،

التى قايضها فى الصباح بالخبز والماء

فالجوع قاسٍ لايُحتمل فى منتصف العمر

لكنه، الوقت المناسب لسرد الحكايات المجنونة

فى منتصف المسافة بالضبط بين:

حياتين، رحلتين، رجلين

أحدهما عازف ترومبيت جوال

والآخر؟

بيانيست .. لم تطأ قدماه أرضا قطْ!

ولد بالصدفة، بلا أسم

وعاش بالشغف، بلا هوية

ومات، بلا تاريخ

          على متن عابرة المحيطات 1900

          التى غرقتْ فى نهاية الرحلة!؟

          ومعها، لمس عازف البيانو بأصابعه المدربة رمل القاع

          أرضَ موته!

          الأرض التى لم يعرف غيرها

          دون أن يترك لنا شيئا للإستدلال على تاريخه الشخصى

وإقتفاء أثره!؟

حتى موسيقاه،

كان يعزفها عفوالخاطر

فى التو!؟

فى التو واللحظة

كأنما تخبره بها الأمواج

          ليظل مافيه فيه عند الرحيل

          كسِرِ مُقَدَّس يخصه وحده

كما ينبغى لبيانيست أن يموت غريقا

سكت عازف الترومبيت، منهيا حكايته

ثم نهض ومشى وهو يدندن بلحن قديم

لماذا يرحل الجميع ياجوزيبى؟ قلتُ

لإنه كُتبَ علينا الإرتحال! قال.

  • دون توقف؟
  • دون توقف
  • دون توقف؟
  • دون توقف .. كشريط سينمائى يجري، دون توقف